مواقع تعيش طويلاً

طبيعة المواقع تجعلها وسيلة نشر متغيرة دائماً، من يتابع تطور تقنيات الويب سيدرك الفرق بين موقع صمم في عام 1999م وآخر صمم قبل ستة أشهر، التقنيات تتغير وأنماط التصميم كذلك، في الماضي كان من الطبيعي أن تجد مواقع تستخدم تقنية الفلاش وجافا وربما تقنيات أخرى غير متوافقة إلا مع متصفح واحد أو نظام تشغيل واحد، كانت هناك مشكلة فعلية تواجه كثيراً من الناس الذين يستخدمون متصفحات وأنظمة مختلفة وغير منتشرة، كانت هناك مواقع تعرض شاشة تقول لزائرها بأن متصفحه غير مدعوم وعليه استخدام متصفح آخر.


الآن لم نعد نرى هذه الأمور إلا نادراً، لكن لا يمكن نفي أن المواقع تتغير باستمرار وبسبب هذا التغيير الروابط تقطع، زر أرشيف أي مدونة قديمة واضغط على الروابط التي تحويها وستجد أن كثيراً منها لم يعد موجوداً، إما أن الموقع توقف وانتهى أمره، أو تغير فتغيرت كل صفحاته أو حذفت محتوياته القديمة أو تغيرت مواقع الصفحات القديمة، هذا أحد أبرز عيوب شبكة الويب، أنها تسمح للروابط أن تضيع وتفقد قيمتها.

كثير من المواقع توقفت وانتهى أمرها وضاع محتواها، وقد يكون من المهم الوصول لهذا المحتوى للبحث والكتابة عن شيء ما، إن كنت محظوظاً ستجد نسخة من الموقع في أرشيف الإنترنت وهذا ما يجعل خدمة الأرشيف لا تقدر بثمن في بعض الأحيان، وبالمناسبة، إن كنت تستطيع التبرع لهم بمبلغ ففعل، خدماتهم تفيد الناس جميعاً وتزداد أهمية بمرور الوقت.

منذ وقت طويل وأنا أفكر بموضوع المواقع طويلة المدى، أعني مواقع صممت من الأساس لتعيش سنوات طويلة بلا أي مشاكل، وتصمم ليسهل حفظها كلها في ملف مضغوط واحد وبالتالي يمكن نسخها ونقلها بسهولة، هناك مواقع من هذا النوع في الشبكة وهي في الغالب بسيطة التصميم وبسيطة من الناحية التقنية لكن لا زالت تقدم الفائدة.

موقع The Victorian Web مثال جيد هنا، هذا الموقع بدأ قبل اختراع شبكة الويب! وكان مشروع نص مترابط ثم عندما ظهرت الويب انتقل لها وأصبح أحد أكبر مشاريع النص المترابط حول موضوع واحد ويكتبه ويديره شخص واحد بالإضافة لمشاركات آخرين، بحسب الموقع نفسه هناك أكثر من 61 ألف وثيقة وصورة في الموقع، تخصص الموقع هو تاريخ بريطانيا في العصر الفيكتوري والموقع يغطي كافة الجوانب المتعلقة بهذه الحقبة، من السياسة وحتى تصاميم الأثاث وأطباق الطعام.

تصميم الموقع بسيط وعملي ولم يتغير كثيراً منذ بدايات الموقع، تقنيات الموقع كذلك بسيطة فهو يعتمد كلياً على ملفات HTML والتصميم بتقنية CSS، لا يعتمد على قاعدة بيانات، تصفح الموقع ينجز من خلال روابط في النص نفسه، بمعنى آخر هو موقع نص مترابط يتقن استخدام الروابط ويستفيد من قوتها ليجعلها أداة لتصفح المعرفة المتوفرة في الموقع.

هذا الموقع يمكن تصفحه بمتصفحات قديمة أو متصفحات نصية ولا شك لدي أنه ما دام موجوداً سيتمكن الناس بعد 20 عاماً من تصفحه بأحدث البرامج المتوفرة في ذلك الوقت، لأنه بسيط تقنياً فهو أكثر قدرة على البقاء من المواقع التي تستخدم أحدث وأعقد التقنيات.

هذا الموقع وغيره جعلني أفكر في المعايير أو الأساس الذي يمكن أن نبني عليه مواقع طويلة المدى، ورأيت أن أي موقع يريد أن يبقى طويلاً فعليه أن يتبع هذه المعايير.

الموقع يجب أن يعمل محلياً بدون مزود، بمعنى لو نسخت الموقع بأكمله ووضعته في أي حاسوب سأتمكن من تصفحه بسهولة ودون أن تنقطع الروابط أو تختفي الصور، هذا يعني أن الروابط يجب أن تشير لملفات لا مجلدات، الرابط الذي يقود المستخدم إلى مجلد سيكون بهذا الشكل:
http://www.website.com/about/

عندما يضغط الزائر على الرابط سيطلب من مزود الموقع أن يرسل أول ملف متوفر في في مجلد اسمه about، وفي الغالب سيرسل المزود ملف index.html أو ملفاً آخر وإن لم يجد سيعرض محتويات المجلد أو سيعرض رسالة خطأ تشير إلى أن الزائر لا يمكنه رؤية محتويات المجلد، هذا بحسب إعدادات المزود، ولو كان الموقع في حاسوب محلي بلا مزود فلن يعمل الرابط بشكل صحيح، لذلك يجب أن يكون يشير الرابط إلى ملف محدد.

ثم يجب أن تكون محتويات الموقع في ملفات HTML لا قواعد بيانات، قواعد البيانات معرضة لمشاكل عدة وتحتاج لبرامج خاصة لتشغيلها، تقنيات قواعد البيانات تتغير وبرامجها تتغير وقد تكون معرضة لثغرات أمنية، لذلك ملفات نصية بصيغة HTML ستضمن بقاء الموقع لمدة أطول من أي قاعدة بيانات.

الموقع يجب أن يكون متوفقاً مع المعايير القياسية للويب، هذه المعايير ستضمن له أن يعمل مع متصفحات الماضي والمستقبل وستضمن أن يتمكن الناس من التعامل مع الملفات ببرامج مختلفة، فهناك برامج تحول ملفات HTML إلى ملفات نصية أو كتاب إلكتروني أو ملفات PDF أو غير ذلك.

أيضاً على الموقع أن يحفظ كل محتويات الوسائط المتعددة محلياً، بمعنى أن الصور ومقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية كلها يجب أن تحفظ في نفس المزود، الاعتماد على خدمات خارجية يعرض المحتويات لخطر ضياعها بحسب ظروف الخدمات التجارية، مثلاً موقع يوتيوب قد يوقف حسابك لأسباب متعلقة بحفظ الحقوق حتى لو لم ترتكب أي انتهاك لحقوق أي شخص أو مؤسسة، لكن طريقة عمل الموقع تسمح للآخرين بأن يطلبوا حذف مقاطع فيديو قد أو قد لا تحوي أي محتويات يملكونها، كذلك الموقع متعرض للتغير بحسب سياسات غوغل.

ثم هناك مشكلة نقل ونسخ المحتوى، لو نسخت المحتويات لحاسوب لا يملك اتصالاً بالشبكة فلن يستطيع الوصول للمحتويات المرتبطة بخدمات في الإنترنت، لذلك يجب أن يكون كل المحتوى محلياً.

نقاط أخرى مهمة:
  • التصميم يجب أن يكون بسيطاً بقدر الإمكان وخفيف الوزن.
  • الصور لا تستخدم إلا للمحتويات وليس للتصميم.
  • الموقع لا يستخدم خطوطاً خاصة به.
  • لا يستخدم تقنية جافاسكربت إلا لاستثناءات قليلة جداً، مثل توفير طرق مختلفة وتفاعلية لعرض المحتويات بشرط أن تكون هذه المحتويات متوفرة بطريقة تقليدية لأي زائر لا يريد أو لا يستطيع التعامل مع جافاسكربت.
  • الموقع يجب ألا يستخدم لغة برمجة من جهة المزود مثل PHP أو روبي أو غيرهما.
  • عندما تنشر صفحة في الموقع فيجب ألا يتغير مكانها مهما كان السبب، لذلك التخطيط المسبق لترتيب الملفات ضروري لتجنب تغيير أماكنها.
  • من الأفضل أن يكون المحتوى برخصة حرة تسمح للآخرين بنسخه وتعديله، وتعطيه إمكانية أن يعيش الموقع في نسخ  مختلفة في حال توقف الموقع الأساسي.
الأهم من كل ما سبق هو أن يكون المحتوى عالي الجودة، وأن يستمر تحديث الموقع وصفحاته كل فترة، قد يبدأ صاحب الموقع صفحة ما بمحتويات قليلة ثم مع الوقت يزيد تفاصيلها، الموقع هنا يعمل كمصدر للمعرفة قابل للتغير والتطور، فهو ليس مدونة تكتب مواضيعها مرة واحدة ثم لا يعود لها الكاتب مرة أخرى.

ما يضيقني حقاً في الأمر هو عدم اكتراث الناس بموضوع أرشفة المحتويات لفترة طويلة، لا أدري كيف يمكنني أن أقنع أي شخص بأهمية الأمر، لا أقول بأن كل الناس عليهم الاحتفاظ بكل شيء فلا شك أن هناك محتويات ضعيفة أو حتى قبيحة وهي لا تستحق الحفظ، وهناك محتويات شخصية قد لا يجد صاحبها أهمية في حفظها لمدة طويلة، لا بأس بهذا، لكن هناك محتويات يجب ألا تضيع حتى لو كانت مقالات بسيطة.

بالأمس كنت أبحث في موضوع ما ووجدت موقعاً عربياً متخصصاً في الموضوع وقد وجدته بين ركام المنتديات والمواقع التي تنسخ من المدونات، في الموقع وجدت روابط لمصادر متوفرة في مواقع أخرى، ضغطت على الروابط لأجد أكثرها قد اختفى ولم يعد متوفراً، وجدت بعضها محفوظة في أرشيف الإنترنت وفيها فائدة، والفائدة تزداد بندرة الموضوع.

لو بحثت اليوم عن أخبار ماكيروسوفت وغوغل سأجد الكثير من المحتوى العربي، لكن ما كنت أبحث عنه هو شخص ترك علماً وفكراً ومن المؤسف أن المواقع العربية قليلة جداً في تغطيتها لفكر هذا الإنسان، لذلك أي محتوى وجدته كان قيماً ومفيداً.

المحتوى المفيد سيبقى مفيداً لوقت طويل ما دام أنه ليس مرتبطاً بشيء متغير بسرعة، درس يشرح برنامجاً ما قد يكون مفيداً لبضع سنوات لكنه سيفقد فائدته لاحقاً بتغير البرنامج، مقال عن تاريخ شيء ما سيكون مفيداً اليوم وبعد عشرين عاماً، ومن يدري لعل تاريخ شخص ما كان مغموراً اليوم سيكون مهماً لكثير من الناس بعد عقود.

لذلك لا بد من أن نسعى لنشر محتويات عالية الجودة وتستحق الحفظ، لمن يؤمن بهذا ويهتم به، هذا موضوع أضع فيه نقاطاً أجد أنها ستضمن بقاء المواقع لفترة طويلة.

نقطة أخيرة، لم أتحدث عن الاستضافة، استضافة موقع بسيط لن يكلف الكثير، لكن التكلفة على المدى البعيد قد تكون مرتفعة، ثم إن رحل صاحب الموقع عن دنيانا فلن يستمر الموقع طويلاً، لذلك لا بد من خطة ما هنا لإبقاء الموقع حياً، ليس لدي أي أفكار، لكن لا بد من الإشارة لهذه المشكلة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاكر دكتور زيرو يخترق هواتف المشاهير وينشر صورهم العارية

مايكروسوفت تطلق مقطع دعائي تشرح فيه مميزات أوتلوك.كوم

هاااااااااااااااام أربعة طرق متنوعة للحصول على بطاقة مصرفية من الانترنت مجانا